يعد الرسوب الدراسي أحد الأساليب التقويمية التي توضح للطالب عدم تمكنه من اجتياز المقرر الدراسي في مرحلة دراسية ما حيث وضع أمام الطالب من بداية الدراسة جميع الإمكانات التي تؤهله للنجاح، والانتقال إلى مرحلة أعلى مع زملائه الآخرين، ولكن عندما يستنفد الطالب جميع المحاولات التي تمكنه من النجاح يصبح معيداً في صفه سنة أخرى.
صحيح أن الرسوب محبط للطالب، ولكنه ليس نهاية المطاف؛ بل لعله يعطي الطالب تحفيزًا، ودافعًا قويًا يجعله يجد، ويجتهد، ويصبح من الأوائل في قادم الأيام، والمؤشرات التربوية توضح بأنه كم من طالب تعثر في مرحلة ما، ولكنه أصبح بعد ذلك علما يشار إليه بالبنان، وكان الرسوب سبباً في تغير مسار حياته للأفضل.
الرسوب نار تستعر
والشيء بالشيء يذكر عندما كنت بالصف الأول الابتدائي وعمري أقل من سبع سنوات وكنت متفوقا في جميع المواد مع ذلك رسبت، وأصبحت معيدا بنفس الصف سنة أخرى، والسبب في ذلك أن معلم الدين -غفر الله له- سألني سؤالا كان مفصليا في حياتي، وجعلني قابعا في صفي الدراسي عندما قال: كم عدد ركعات صلاة الظهر، وأجبت بعفوية الطفولة وقلت: ثماني ركعات حيث قمت بحساب السنن مع صلاة الظهر ظنا مني أن هذه الإجابة الصحيحة، وكان سؤالا وحيدا لا ثانيا له، ثم قال: شكرا نادي زميلك الذي بعدك، وخرجت فرحا، والابتسامة تعلو محياي، قلت بنفسي لقد نجحت، ولكن للأسف ظهرت النتائج، وكنت راسبا ومعيدا في صفي الدراسي.
صحيح أنها كانت صدمة كبيرة، وكأني سقطت من مكان عالٍ لأرتطم بالأرض ومت غيضا، وقهرا وعويلا لا ينقطع. ولكن مع هذا كله أصبح الرسوب حافزا ودافعا إلى الأمام.
ولا أخفيكم مقدار التنمر الذي لقيته من أقراني في تلك المرحلة، كل ما غضب علي أحد من زملائي قال: يا الراسب! ومهما حاولت أن أقنعهم إلا أنهم لا يقتنعون، وهناك عقدت العزم، وتوكلت على الله، واجتهدت، وبدعم من والديّ تجاوزت هذه المرحلة وأصبحت -ولله الحمد- من الأوائل ولم يمر تكريما إلا واسمي لامعا من ضمن الطلاب المتفوقين.
إذاً أين المشكلة؟ إذا كان معيداً ثم الرسوب يحفزه.
المشكلة تكمن بأن الإعادة مرهقة نفسيا للطالب وخصوصا الذي لم يرسب إلا في مادة أو مادتين؛ كونه مع مطلع العام الدراسي يعيد نفس المواد التي درسها كلها دون استثناء والتي ربما تفوق فيها، صحيح أن في الإعادة إفادة، لكن الطالب يراه حملا ثقيلا قد سرق عمره، وتقدم عليه زملاؤه خطوات كبيرة وربما يهمل ثم يصبح غير راغب للدراسة، ويضر نفسه دون دراية، فمستقبله يتضرر كثيراً لأنه مرتبط بالمؤهل العلمي الذي يحمله، فالمؤهل العلمي مع المهارات التي يتقنها تحدد مصيره والوظيفة التي يبهر فيها.
اقتراحات
وبناء على ما أوردته آنفا، وحفاظا على الطالب فإني اقترح الآتي:
– الطالب الذي يرسب في مادة في أي فصل من الفصول ينقل إلى الصف التالي واختباره مرة أخرى مع بداية العام الدراسي فإن اجتاز ترصد له درجته وإن لم يجتز توضع له خطة خلال اليوم الدراسي، مثلا: اجتزاز ربع ساعة وفيها يتولى المعلم مراجعة الدروس للطالب، مع توجيه لحضور الدروس المسجلة التي تعدها وزارة التعليم لمشاهدتها، والاستزادة منها، وفي نهاية الفصل الدراسي، وقبل الاختبارات يعقد له اختبار إن اجتاز كان بها وترصد له، وإن لم يجتز يعقد له اختبار آخر بالفصل الثاني فإن اجتاز فلله الحمد وإن لم يجتز يتوقف معه إجراء الاختبارات، ثم يبلغ ولي أمره بأنه سيكون في العام القادم سيحضر حصص هذه المادة خلال اليوم الدراسي ولو وضع له جدول حصة دراسية ثامنة.
– أما الطالب الذي يرسب في ثلاث مواد، يجرى له اختبار آخر مع بداية العام الدراسي فإن نجح كان بها وإن لم ينجح يعيد الدراسة مرة أخرى ويعيد فقط هذه المواد، ولكن الإعادة ليس في مدرسته بل يحال اسمه إلى المدرسة المركزية التي تلقي الدروس المتزامنة، وتتولى وضعه الدراسي، وعند النجاح يعاد ملفه مرة أخرى لمدرسته الأساسية لإكمال مسيرته التعليمية.
– أما الطالب الذي يرسب في أكثر من ثلاث مواد يصبح معيداً مرة أخرى، وفي مدرسته، ويتلقى جميع الدروس، لأنه في حاجة للإعادة.
رسائل تربوية
الطالب عندما يرسب فلديه مشكلة في التحصيل الدراسي وينبغي على من له علاقة بالطالب معرفتها ووضع الخطط والحلول لمعالجتها حتى لا يرسب مرة أخرى، ولعلي في هذه المقالة أوجه رسائل للأسرة والمعلم، والموجه الطلابي:
دور الأسرة
الأسرة هي الجسر الذي يعبر من خلاله الابن إلى بر الأمان بعد الله عز وجل لذلك ينبغي عليهم معرفة أسباب الرسوب معرفة تامة حتى يعملوا على وضع الحلول لها حتى لا يتكرر مرة أخرى، والبعد كل البعد عن التعنيف سواء أكان لفظيا أو جسديا، وأن يقوموا بمساعدته ليتجاوز هذه المرحلة بيسر وسهولة دون تعقيدات نفسية، وأن يشعروه بأن الرسوب ليس نهاية المطاف، ويذكرونه بعدم الإهمال، وأهمية الجد، والاجتهاد حتى يلحق بالركب، فابتعدوا عن اللوم، والعبارات الجارحة التي ربما تقصيه عن الدراسة، ثم يصبح كارها لها، ثم تعجز الأسرة عن تحقيق هدفها التي يتطلعون أن يحققه لهم، مع تحفيزه بأنه إذا حصل على معدل كذا سيحصل على جائزة قيمة، حتى تكون داعمة له تحفزه على الاستذكار والجد والاجتهاد.
دور المعلم
المعلم هو القدوة والطالب يتأثر به ويتأثر منه، فينبغي على المعلم عدم مناقشته أمام زملائه بسبب رسوبه، أو مقارنة زملائه به مثلا: أن تقول لطالب آخر اجتهد أو أنك سترسب مثل فلان، وتعيد السنة، وهذه بلا شك تنعكس على نفسية الطالب ويتأثر أيّما تأثر، وربما تنهي مسيرته الدراسية، لذلك يجب الابتعاد عن المقارنة.
كما يجب على المعلم أن يكون قريبا من الطالب والتعرف على الاسباب التي جعلته يرسب في المادة للعمل على علاجها وحلها، وأن يصل معه في نهاية الفصل الدراسي لنتائج إيجابية تخلق فرقًا كبيرا في تحصيل الطالب ومستواه الدراسي.
دور الموجه الطلابي
الموجه الطلابي دوره كبير ولا يتوقف دوره على الحالات الخاصة، بل يتعداها إلى معرفة مستويات الطلاب، ومعرفة من لديه مشكلات، وصعوبات دراسية، للعمل مع المعلمين على حلها، ويفوقهم أهمية الطالب المعيد في صفه، والرعاية به أهم، ويتوجب عليه أن يشرف على الطالب بنفسه لضمان نجاحه، واستمراره، وعدم تعثره مرة أخرى، ولا يتوقف دور الموجه على الطالب المعيد بل يتعداه إلى الطلاب الآخرين ذوي المستوى المتدني ويا حبذا لو يكون الإشراف والمتابعة بشكل أسبوعي حتى يضمن تحسن المستوى، ويدخل جو الفرح والسرور على هؤلاء الطلاب من خلال دعمهم بالحوافز تشجيعا لهم حتى يرتقي المستوى التحصيلي لهم.
ومضة
الطالب أمانة في أعناقنا (مدرسة/ أسرة) ونسأل عنه لذلك يجب أن ندعمه نفسيا ومعنويا ودراسيا ولا ننفك عنه أبدا حتى نتأكد أنه أتقن جميع ما كلف به ونعبر به إلى بر الأمان، فرمي اللوم على المدرسة أو الأسرة يجعل كل واحد يتخلى عن دوره المناط به وهذا يؤثر على الطالب، وربما يتسبب في فقده، وانحرافه وأن يسلك طريقا ليس له، بل علينا أن نتكاتف سويا حتى نخرج طالبا نافعا لمجتمعه ووطنه، ومخلصا لقيادته.
هذا المقال منشور في صحيفة الجزيرة ويمكن الاطلاع على المقال في الصحيفة من خلال الرابط
https://www.al-jazirah.com/2025/20250724/fe1.htm